«الضعيف القوي!»  قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

« الضعيف القوي!»  قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم
« الضعيف القوي!»  قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

لم أعرف رجلا أو زوجا عاشقا، أحب زوجته واخلص لها مثل الأستاذ عبد الحميد محمود، الذي جعل حياته، عمله، أمله، وهدفه في الحياة هو إسعاد زوجته سنية.

 

لقد بلغ به الحب تلك المرتبة التي يخشى فيها العاشق على رجولته وكرامته، ويفقد فيها كل ماله من أنانية وكبرياء.

 

إن عبد الحميد بلا رأي حتى تقول سنية رأيها في التافه والخطير من الأمور على السواء، فهو يدخل معها دار السينما، يشاهد الرواية فيجلس صامتا يترقب، فإذا ضحكت سنية، ضحك هو لا لأنه شاهد شيئا مضحكا بل لان سنية قد ضحكت، وإذا دمعت عيني سنية، دمعت عيناه لا لأنه رأى فاجعة مؤثرة، لكن لان سنية تبكي.

 

وسنية هي التي تقرر أن الوقت قد حان لبدء الأجازة الصيفية، وأن الوقت قد حان أيضا للانتقال إلى بيت آخر، بينما عبد الحميد سعيد بتنفيذ القرارات والرغبات التي كلها مادامت صادرة من سنية.

 

أما سنية فقد كانت فرحة بعبد الحميد، وكم كانت تفيض بالبشر والسعادة عندما يعود إلى البيت ويحكي لها، كيف أنه مر بدكان الترزي، فوجد عنده قماشا، ازرق وآخر بنيا، وانه قال له أن ينتظر حتى تأتي سنية وتختار له اللون الذي يريد، فهو في ملبسه ومأكله أيضا لا يلبس ولا يأكل إلا ما تختار سنية له.

 

تأكدت سنية أن عبد الحميد في جيبها، وتستطيع أن تفعل به ما تشاء، فهو خاضع لها كالعبد أو أكثر، ولا سبيل إلى أن يقاومها أو يناقشها، أو يعارضها في شيء مهما كان.

 

انتهى الأمر بسنية أنها وجدت أن في استطاعتها أن تتخذ لنفسها عشيقا!

 

وكان سامي هو عشيق سنية، رجلا على النقيض من زوجها عبد الحميد، مشاكس جبار، يفرض رأيه في كل صغيرة وكبيرة، يأمر سنية أن تقص شعرها بطريقة معينة، ويطالبها بأن ترتدي فساتين من ألوان محددة، ويضربها ضربا مبرحا لأتفه الأسباب، ويثير زوبعة حامية من الشجار، إذا وجد السمنة تتفشى في جسمها كما يطالبها أن تروي له بالتفصيل كل ما يدور بينها وبين زوجها من حديث وأفكار، وقبلات..

 

كانت سنية في أول علاقتها بسامي، متكتمة حذرة، تحاول ما استطاعت ألا تثير ريبة عبد الحميد أو غيرته، لكنها تأخرت مرارا، وعادت إلي بيتها في ساعات متأخرة من الليل، ورأى عبد الحميد آثار الضرب على جسمها في إحدى المرات فسأله بجذع عن هذه العلامات.

 

ارتبكت، وقالت.. أنها آثار ماء ساخن لسع جلدها، ففوجئت بابتسامة كبيرة بلهاء على وجه عبد الحميد، وهو يقبلها ويواسيها، ويعتذر لها بالنيابة عن الماء الساخن، ويقول انه يود لو أصيب هو بهذه الإصابات!

 

كادت سنية أن تجن، فقد أصبحت ذات شخصية مزدوجة، فهي في بيتها آمرة.. مسيطرة.. حاكمة، ومع سامي جارية.. خاضعة.. محكومة، ولم تستطع أن تتحمل هدوء عبد الحميد، وحبه الأعمى أكثر من ذلك، فصارحته في يوم من الأيام بكل شيء، وروت له بالتفصيل علاقتها بسامي، وكيف نشأت، ونوع المعاملة التي يعاملها بها!

 

وكانت تحدق في جرأة، في وجه عبد الحميد، لعلها تراه يثور أو ينفعل، أو حتى يحاول قتلها أو خنقها بيديه.. وصاحت في وجهه تطالبه بالطلاق.

 

لم يفعل عبد الحميد شيئا أكثر من انه نكش رأسه وبكى بحرقة كالأطفال وهو يردد وسط نشيجه أنه برغم كل شيء يحبها، وانه أسف لان يرفض لها طلبها، وهو الذي لم يفعل ذلك في حياته أبدا، وأن هذا الطلب برفضه للطلاق!

 

ذهبت سنية إلى سامي، فحكت له كعادتها ما قاله زوجها، وصعق سامي من المفاجأة، وغضب غضبا شديدا، وبدأ الشرر في عينيه فقالت له سنية.. متوسلة الا يضربها، أن عبد الحميد لم يغضب وانه اكتفى بالبكاء، لكن سامي اندفع يضربها كالمجنون في شراسة ويصيح قائلا: أنه لا يستطيع أن يستمر في علاقته بها وقد علم عبد الحميد بكل شيء.

 

فرت سنية من جديد إلى زوجها عبد الحميد، فاستقبلها مواسيا، وبدأ يضمد جراحها باكيا، وأحست سنية وهي تنظر إليه بقذارتها التي تراكمت على روحها، وبفظاعة حياتها مع سامي، فارتمت على قدمي عبد الحميد تقبلهما باكية، وعندئذ سمعت عبد الحميد يقول لها

_ لقد فكرت في إني لا أستطيع أن أرفض لك طلبا.. سأرسل لك ورقة الطلاق.